تأثير فيتامين ك على صحة القلب والأوعية الدموية

يعتبر فيتامين ك من الفيتامينات الأساسية التي لا غنى عنها لصحة الإنسان، إلا أنه لم يحظ بالاهتمام الكافي مقارنة بغيره من الفيتامينات الشائعة. يلعب هذا الفيتامين دورًا حيويًا في عملية تخثر الدم، ولكن الأبحاث الحديثة كشفت عن أهميته البالغة في الحفاظ على صحة القلب والأوعية الدموية. على الرغم من أن معظم الناس يحصلون على كميات كافية من فيتامين ك من خلال النظام الغذائي، إلا أن هناك فئات معينة قد تكون عرضة لنقصه. في هذا المقال، سنستكشف الدور الحيوي لفيتامين ك في صحة القلب والأوعية الدموية، ونلقي الضوء على أحدث الاكتشافات العلمية في هذا المجال.

تأثير فيتامين ك على صحة القلب والأوعية الدموية

في البداية، كان الاهتمام بفيتامين ك مقتصرًا على دوره في تخثر الدم، ولكن مع تقدم الأبحاث، بدأ العلماء في إدراك أهميته في مجالات أخرى من صحة الإنسان. في الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، بدأت الدراسات تشير إلى دور محتمل لفيتامين ك في صحة العظام. ومع بداية القرن الحادي والعشرين، بدأت الأبحاث تكشف عن علاقة هامة بين فيتامين ك وصحة القلب والأوعية الدموية.

آلية عمل فيتامين ك في الجسم

يعمل فيتامين ك كعامل مساعد لإنزيم يسمى جاما-جلوتاميل كاربوكسيلاز، والذي يلعب دورًا أساسيًا في تنشيط العديد من البروتينات المهمة في الجسم. من بين هذه البروتينات، هناك عوامل تخثر الدم، والتي تعتبر ضرورية لعملية تجلط الدم الطبيعية. بالإضافة إلى ذلك، يساهم فيتامين ك في تنشيط بروتين يسمى الأوستيوكالسين، والذي يلعب دورًا مهمًا في تنظيم تكوين العظام وتمعدنها.

فيما يتعلق بصحة القلب والأوعية الدموية، يقوم فيتامين ك بتنشيط بروتين يسمى ماتريكس جلا (MGP)، والذي يعمل كمثبط قوي لتكلس الأوعية الدموية. هذا البروتين يمنع ترسب الكالسيوم في جدران الشرايين، وهو ما يساعد في الحفاظ على مرونة الأوعية الدموية وتدفق الدم بشكل طبيعي.

دور فيتامين ك في منع تصلب الشرايين

تصلب الشرايين هو حالة تتميز بتراكم الترسبات الدهنية والكالسيوم في جدران الشرايين، مما يؤدي إلى تضييقها وتصلبها. هذه الحالة تعتبر من أهم عوامل الخطر للإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية. الأبحاث الحديثة تشير إلى أن فيتامين ك قد يلعب دورًا هامًا في منع وإبطاء تطور تصلب الشرايين.

دراسة نُشرت في مجلة “Thrombosis and Haemostasis” عام 2015 وجدت أن الأشخاص الذين لديهم مستويات أعلى من فيتامين ك في الدم كانوا أقل عرضة لتكلس الشرايين التاجية. كما أظهرت دراسة أخرى نُشرت في مجلة “Journal of the American Heart Association” عام 2017 أن تناول مكملات فيتامين ك2 لمدة 3 سنوات أدى إلى إبطاء تطور تصلب الشرايين لدى النساء بعد سن اليأس.

فيتامين ك وضغط الدم

بالإضافة إلى دوره في منع تصلب الشرايين، هناك أدلة متزايدة على أن فيتامين ك قد يساعد في تنظيم ضغط الدم. دراسة نُشرت في مجلة “Hypertension” عام 2019 وجدت أن الأشخاص الذين يتناولون كميات أكبر من فيتامين ك في نظامهم الغذائي كانوا أقل عرضة للإصابة بارتفاع ضغط الدم.

يُعتقد أن آلية عمل فيتامين ك في تنظيم ضغط الدم ترتبط بدوره في تنشيط بروتين ماتريكس جلا. هذا البروتين لا يمنع فقط تكلس الأوعية الدموية، بل يساعد أيضًا في الحفاظ على مرونتها، مما يسمح لها بالتمدد والانقباض بشكل طبيعي استجابة لتغيرات ضغط الدم.

الفرق بين فيتامين K1 و K2

على الرغم من أن كلا النوعين من فيتامين ك (K1 و K2) مهمان لصحة الإنسان، إلا أن الأبحاث الحديثة تشير إلى أن فيتامين K2 قد يكون له تأثير أكبر على صحة القلب والأوعية الدموية. فيتامين K1 يوجد بشكل أساسي في الخضروات الورقية الخضراء، بينما يوجد فيتامين K2 في الأطعمة المخمرة مثل الجبن والزبادي، وكذلك في بعض اللحوم.

دراسة نُشرت في مجلة “Journal of Nutrition” عام 2004 وجدت أن تناول كميات أكبر من فيتامين K2 كان مرتبطًا بانخفاض خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية، بينما لم يكن هناك ارتباط مماثل مع فيتامين K1. يُعتقد أن السبب في ذلك يرجع إلى أن الجسم يمتص ويستخدم فيتامين K2 بشكل أكثر كفاءة في الأنسجة خارج الكبد، بما في ذلك الأوعية الدموية.

فيتامين ك ومضادات التخثر

من المهم الإشارة إلى أن الأشخاص الذين يتناولون أدوية مضادة للتخثر مثل الوارفارين يجب عليهم توخي الحذر عند تناول مكملات فيتامين ك أو زيادة استهلاكهم من الأطعمة الغنية به. هذه الأدوية تعمل عن طريق منع عمل فيتامين ك في عملية تخثر الدم، لذا فإن زيادة مستويات فيتامين ك قد تتعارض مع فعالية هذه الأدوية.

ومع ذلك، فإن الأبحاث الحديثة تشير إلى أن الحفاظ على مستويات ثابتة من فيتامين ك في النظام الغذائي قد يكون أفضل من محاولة تقليله بشكل كبير. دراسة نُشرت في مجلة “Thrombosis and Haemostasis” عام 2016 وجدت أن الأشخاص الذين يتناولون الوارفارين ويحافظون على مستويات ثابتة من فيتامين ك في نظامهم الغذائي كانوا أكثر استقرارًا في مستويات تخثر الدم لديهم.

المصادر الغذائية لفيتامين ك والجرعات الموصى بها

يمكن الحصول على فيتامين ك من مجموعة متنوعة من الأطعمة. فيتامين K1 يوجد بكثرة في الخضروات الورقية الخضراء مثل السبانخ والكرنب واللفت، بينما يوجد فيتامين K2 في الأطعمة المخمرة مثل الناتو (فول الصويا المخمر) والجبن والزبادي، وكذلك في بعض اللحوم مثل لحم البقر والدجاج.

الجرعة اليومية الموصى بها من فيتامين ك تختلف حسب العمر والجنس. بشكل عام، يحتاج البالغون من الرجال إلى حوالي 120 ميكروغرام يوميًا، بينما تحتاج النساء البالغات إلى حوالي 90 ميكروغرام يوميًا. ومع ذلك، فإن بعض الخبراء يعتقدون أن هذه الكميات قد تكون منخفضة جدًا، خاصة فيما يتعلق بفوائد فيتامين ك لصحة القلب والأوعية الدموية.

الآفاق المستقبلية للبحث في فيتامين ك

مع تزايد الأدلة على أهمية فيتامين ك لصحة القلب والأوعية الدموية، هناك حاجة إلى المزيد من الأبحاث لفهم آليات عمله بشكل أفضل وتحديد الجرعات المثلى لتحقيق أقصى فائدة. كما أن هناك حاجة إلى دراسات طويلة المدى لتقييم تأثير مكملات فيتامين ك على الوقاية من أمراض القلب والأوعية الدموية.

أحد المجالات الواعدة للبحث هو دراسة التفاعلات بين فيتامين ك وغيره من العناصر الغذائية، مثل فيتامين د والكالسيوم، وكيف يمكن لهذه التفاعلات أن تؤثر على صحة القلب والأوعية الدموية. كما أن هناك اهتمامًا متزايدًا بدراسة الأشكال المختلفة من فيتامين K2 وتأثيراتها المحتملة المختلفة على الصحة.

في الختام، يبدو أن فيتامين ك يلعب دورًا أكثر أهمية في صحة القلب والأوعية الدموية مما كان يُعتقد سابقًا. مع استمرار البحث العلمي، من المحتمل أن نشهد المزيد من الاهتمام بهذا الفيتامين الأساسي في مجال الوقاية من أمراض القلب والأوعية الدموية وعلاجها. حتى ذلك الحين، يبقى اتباع نظام غذائي متوازن غني بالخضروات الورقية الخضراء والأطعمة المخمرة هو الطريقة الأفضل لضمان الحصول على كمية كافية من فيتامين ك لدعم صحة القلب والأوعية الدموية.